الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: فتح الباري شرح صحيح البخاري **
*2*كِتَاب الذَّبَائِحِ وَالصَّيْدِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الشرح: قوله (كتاب الذبائح والصيد) كذا لكريمة والأصيلي ورواية عن أبي ذر، وفي أخرى له ولأبي الوقت " باب " وسقط للنسفي، وثبتت له البسملة لاحقة، ولأبي الوقت سابقة. *3* وَقَوْلِهِ تَعَالَى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ إِلَى قَوْلِهِ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ إِلَى قَوْلِهِ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ الْعُقُودُ الْعُهُودُ مَا أُحِلَّ وَحُرِّمَ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ الْخِنْزِيرُ يَجْرِمَنَّكُمْ يَحْمِلَنَّكُمْ شَنَآنُ عَدَاوَةُ الْمُنْخَنِقَةُ تُخْنَقُ فَتَمُوتُ الْمَوْقُوذَةُ تُضْرَبُ بِالْخَشَبِ يُوقِذُهَا فَتَمُوتُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ تَتَرَدَّى مِنْ الْجَبَلِ وَالنَّطِيحَةُ تُنْطَحُ الشَّاةُ فَمَا أَدْرَكْتَهُ يَتَحَرَّكُ بِذَنَبِهِ أَوْ بِعَيْنِهِ فَاذْبَحْ وَكُلْ الشرح: قوله (باب التسمية على الصيد) سقط " باب " لكريمة والأصيلي وأبي ذر، وثبت للباقين. والصيد في الأصل مصدر صاد يصيد صيدا، وعومل معاملة الأسماء فأوقع على الحيوان المصاد. قوله وقول الله تعالى (حرمت عليكم الميتة - إلى قوله - فلا تخشوهم واخشون) وقول الله تعالى قوله (قال ابن عباس: العقود العهود، ما أحل وحرم) وصله ابن أبي حاتم أتم منه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال في قوله تعالى وأخرجه الطبري من هذا الوجه مفرقا، ونقل مثله عن مجاهد والسدي وجماعة، ونقل عن قتادة: المراد ما كان في الجاهلية من الحلف. ونقل عن غيره: هي العقود التي يتعاقدها الناس. قال: والأول أولى، لأن الله أتبع ذلك البيان عما أحل وحرم، قال: والعقود جمع عقد، وأصل عقد الشيء بغيره وصله به كما يعقد الحبل بالحبل. قوله (إلا ما يتلى عليكم الخنزير) وصله أيضا ابن أبي حاتم عنه من هذا الوجه بلفظ " إلا ما يتلى عليكم يعني الميتة والدم ولحم الخنزير". قوله (يجرمنكم: يحملنكم) يعني قوله تعالى قوله (المنخنقة إلخ) وصله البيهقي بتمامه من طريق علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال في آخره " فما أدركته من هذا يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال " وأخرجه الطبري من هذا الوجه بلفظ " المنخنقة التي تخنق فتموت، والموقوذة التي تضرب بالخشب حتى يوقذها فتموت، والمتردية التي تتردى من الجبل، والنطيحة الشاة تنطح الشاة، وما أكل السبع ما أخذ السبع، إلا ما ذكيتم إلا ما أدركتم ذكاته من هذا كله يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال " ومن وجه آخر عن ابن عباس أنه قرأ " وأكيل السبع " ومن طريق قتادة " كل ما ذكر غير الخنزير إذا أدركت منه عينا تطرف أو ذنبا يتحرك أو قائمة ترتكض فذكيته فقد أحل لك " ومن طريق علي نحو قول ابن عباس، ومن طريق قتادة: كان أهل الجاهلية يضربون الشاة بالعصا حتى إذا ماتت أكلوها قال: والمتردية التي تتردى في البئر. الحديث: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّاءُ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ صَيْدِ الْمِعْرَاضِ قَالَ مَا أَصَابَ بِحَدِّهِ فَكُلْهُ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَهُوَ وَقِيذٌ وَسَأَلْتُهُ عَنْ صَيْدِ الْكَلْبِ فَقَالَ مَا أَمْسَكَ عَلَيْكَ فَكُلْ فَإِنَّ أَخْذَ الْكَلْبِ ذَكَاةٌ وَإِنْ وَجَدْتَ مَعَ كَلْبِكَ أَوْ كِلَابِكَ كَلْبًا غَيْرَهُ فَخَشِيتَ أَنْ يَكُونَ أَخَذَهُ مَعَهُ وَقَدْ قَتَلَهُ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا ذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تَذْكُرْهُ عَلَى غَيْرِهِ الشرح: قوله (حدثنا زكريا) هو ابن أبي زائدة، وعامر هو الشعبي، وهذا السند كوفيون. قوله (عن عدي بن حاتم) هو الطائي، في رواية الإسماعيلي من طريق عيسى بن يونس عن زكريا حدثنا عامر حدثنا عدي قال الإسماعيلي ذكرته بقوله " حدثنا عامر حدثنا عدي " يشير إلى أن زكريا مدلس وقد عنعنه. قلت: وسيأتي في رواية عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي " سمعت عدي بن حاتم " وفي رواية سعيد بن مسروق " حدثني الشعبي سمعت عدي بن حاتم وكان لنا جارا ودخيلا وربيطا بالنهرين " أخرجه مسلم، وأبوه حاتم هو المشهور بالجود، وكان هو أيضا جوادا، وكان إسلامه سنة الفتح، وثبت هو وقومه على الإسلام، وشهد الفتوح بالعراق، ثم كان مع علي وعاش إلى سنة ثمان وستين. قوله (المعراض) بكسر الميم وسكون المهملة وآخره معجمة، قال الخليل وتبعه جماعة: سهم لا ريش له ولا نصل. وقال ابن دريد وتبعه ابن سيده: سهم طويل له أربع قذذ رقاق، فإذا رمى به اعترض. وقال الخطابي: المعراض نصل عريض له ثقل ورزانة، وقيل عود رقيق الطرفين غليظ الوسط وهو المسمى بالحذافة، وقيل خشبة ثقيلة آخرها عصا محدد رأسها وقد لا يحدد؛ وقوى هذا الأخير النووي تبعا لعياض. وقال القرطبي: إنه المشهور. وقال ابن التين: المعراض عصا في طرفها حديدة يرمي الصائد بها الصيد، فما أصاب بحده فهو ذكي فيؤكل، وما أصاب بغير حده فهو وقيذ. قوله (وما أصاب بعرضه فهو وقيذ) في رواية ابن أبي السفر عن الشعبي في الباب الذي يليه " بعرضه فقتل فإنه وقيذ فلا تأكل " وقيذ بالقاف وآخره ذال معجمة وزن عظيم، فعيل بمعنى مفعول، وهو ما قتل بعصا أو حجر أو ما لا حد له، والموقوذة تقدم تفسيرها وأنها التي تضرب بالخشبة حتى تموت. ووقع في رواية همام بن الحارث عن عدي الآتية بعد باب " قلت إنا نرمي بالمعراض قال: كل ما خزق " وهو بفتح المعجمة والزاي بعدها قاف أي نفذ، يقال سهم خازق أي نافذ، ويقال بالسين المهملة بدل الزاي، وقيل الخزق - بالزاي وقيل تبدل سينا - الخدش ولا يثبت فيه، فإن قيل بالراء فهو أن يثقبه. وحاصله أن السهم وما في معناه إذا أصاب الصيد بحده حل وكانت تلك ذكاته، وإذا أصابه بعرضه لم يحل لأنه في معنى الخشبة الثقيلة والحجر ونحو ذلك من المثقل، وقوله "بعرضه " بفتح العين أي بغير طرفه المحدد، وهو حجة للجمهور في التفصيل المذكور، وعن الأوزاعي وغيره من فقهاء الشام حل ذلك، وسيأتي في الباب الذي يليه إن شاء الله تعالى. قوله (وسألته عن صيد الكلب فقال: ما أمسك عليك فكل، فإن أخذ الكلب ذكاة) في رواية ابن أبي السفر " إذا أرسلت كلبك فسميت فكل " وفي رواية بيان بن عمرو عن الشعبي الآتية بعد أبواب " إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك " والمراد بالمعلمة التي إذا أغراها صاحبها على الصيد طلبته، وإذا زجرها انزجرت وإذا أخذت الصيد حبسته على صاحبها. وهذا الثالث مختلف في اشتراطه، واختلف متى يعلم ذلك منها فقال البغوي في " التهذيب ": أقله ثلاث مرات، وعن أبي حنيفة وأحمد يكفي مرتين. وقال الرافعي: لم يقدره المعظم لاضطراب العرف واختلاف طباع الجوارح فصار المرجع إلى العرف. ووقع في رواية مجالد عن الشعبي عن عدي في هذا الحديث عند أبي داود والترمذي أما الترمذي فلفظه " سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال: ما أمسك عليك فكل " وأما أبو داود فلفظه " ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله فكل ما أمسك عليك. قلت: وإن قتل؟ قال: إذا قتل ولم يأكل منه " قال الترمذي: والعمل على هذا عند أهل العلم لا يرون بصيد الباز والصقور بأسا ا ه. وفي معنى الباز الصقر والعقاب والباشق والشاهين، وقد فسر مجاهد الجوارح في الآية بالكلاب والطيور، وهو قول الجمهور إلا ما روى عن ابن عمر وابن عباس من التفرقة بين صيد الكلب والطير. قوله (إذ أرسلت كلابك المعلمة فإن وجدت مع كلبك كلبا غيره) في رواية بيان " وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل " وزاد في روايته بعد قوله مما أمسكن عليك " وإن قتلن، إلا أن يأكل الكلب فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه " وفي رواية ابن أبي السفر " قلت، فإن أكل؟ قال: فلا تأكل، فإنه لم يمسك عليك إنما أمسك على نفسه"، وسيأتي بعد أبواب زيادة في رواية عاصم عن الشعبي في رمي الصيد إذا غاب عنه ووجده بعد يوم أو أكثر. وفي الحديث اشتراط التسمية عند الصيد، وقد وقع في حديث أبي ثعلبة كما سيأتي بعد أبواب " وما صدت بكلبك المعلم فذكرت اسم الله فكل " وقد أجمعوا على مشروعيتها إلا أنهم اختلفوا في كونها شرطا في حل الأكل فذهب الشافعي وطائفة - وهي رواية عن مالك وأحمد - أنها سنة، فمن تركها عمدا أو سهوا لم يقدح في حل الأكل. وذهب أحمد في الراجح عنه وأبو ثور وطائفة إلى أنها واجبة لجعلها شرطا في حديث عدي، ولإيقاف الإذن في الأكل عليها في حديث أبي ثعلبة، والمعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم، والشرط أقوى من الوصف، ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة، وما أذن فيه منها تراعي صفته، فالمسمى عليها وافق الوصف وغير المسمى باق على أصل التحريم. وذهب أبو حنيفة ومالك والثوري وجماهير العلماء إلى الجواز لمن تركها ساهيا لا عمدا، لكن اختلف عن المالكية: هل تحرم أو تكره؟ وعند الحنفية تحرم، وعند الشافعية في العمد ثلاثة أوجه: أصحها يكره الأكل، وقيل خلاف الأولى، وقيل يأثم بالترك ولا يحرم الأكل. والمشهور عن أحمد التفرقة بين الصيد والذبيحة، فذهب في الذبيحة إلى هذا القول الثالث، وسيأتي حجة من لم يشترطه فيها في الذبائح مفصلة، وفيه إباحة الاصطياد بالكلاب المعلمة، واستثنى أحمد وإسحاق الكلب الأسود وقالا: لا يحل الصعيد به لأنه شيطان ونقل عن الحسن وإبراهيم وقتادة نحو ذلك. وفيه جواز أكل ما أمسكه الكلب بالشروط المتقدمة ولو لم يذبح لقوله " إن أخذ الكلب ذكاة " فلو قتل الصيد بظفره أو نابه حل، وكذا بثقله على أحد القولين للشافعي وهو الراجح عندهم، وكذا لو لم يقتله الكلب لكن تركه وبه رمق ولم يبق زمن يمكن صاحبه فيه لحاقه وذبحه فمات حل، لعموم قوله " فإن أخذ الكلب ذكاة " وهذا في المعلم، فلو وجده حيا حياة مستقرة وأدرك ذكاته لم يحل إلا بالتذكية، فلو لم يذبحه مع الإمكان حرم، سواء كان عدم الذبح اختيارا أو إضرارا كعدم حضور آلة الذبح، فإن كان الكلب غير معلم اشترط إدراك تذكيته، فلو أدركه ميتا لم يحل. وفيه أنه لا يحل أكل ما شاركه فيه كلب آخر في اصطياده، ومحله ما إذا استرسل بنفسه أو أرسله من ليس من أهل الذكاة، فإن تحقق أنه أرسله من هو من أهل الذكاة حل، ثم ينظر فإن أرسلاهما معا فهو لهما وإلا فللأول، ويؤخذ ذلك من التعليل في قوله " فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره " فإنه يفهم منه أن المرسل لو سمي على الكلب لحل. ووقع في رواية بيان عن الشعبي " وإن خالطها كلاب من غيرها فلا تأكل " فيؤخذ منه أنه لو وجده حيا وفيه حياة مستقرة فذكاة حل، لأن الاعتماد في الإباحة على التذكية لا على إمساك الكلب. وفيه تحريم أكل الصيد الذي أكل الكلب منه ولو كان الكلب معلما، وقد علل في الحديث بالخوف من أنه " إنما أمسك على نفسه " وهذا قول الجمهور، وهو الراجح من قولي الشافعي. وقال في القديم - وهو قول مالك ونقل عن بعض الصحابة - يحل، واحتجوا بما ورد في حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله، إن لي كلابا مكلبة، فأفتني في صيدها. قال: كل مما أمسكن عليك. قال: وإن أكل منه؟ قال: وإن أكل منه " أخرجه أبو داود. ولا بأس بسنده. وسلك الناس في الجمع بين الحديثين طرقا: منها للقائلين بالتحريم حمل حديث أبي ثعلبة: على ما إذا قتله وخلاه ثم عاد فأكل منه، ومنها الترجيح فرواية عدي في الصحيحين متفق على صحتها، ورواية أبي ثعلبة المذكورة في غير الصحيحين مختلف في تضعيفها، وأيضا فرواية عدي صريحة مقرونة بالتعليل المناسب للتحريم وهو خوف الإمساك على نفسه متأيدة بأن الأصل في الميتة التحريم، فإذا شككنا في السبب المبيح رجعنا إلى الأصل وظاهر القرآن أيضا وهو قوله تعالى وإذا أرسلته فقتل ولم يأكل فكل، فإنما أمسك على صاحبه " وأخرجه البزار من وجه آخر عن ابن عباس وابن أبي شيبة من حديث أبي رافع بمعناه، ولو كان مجرد الإمساك كافيا لما احتيج إلى زيادة (عليكم) . ومنها للقائلين بالإباحة حمل حديث عدي على كراهة التنزيه، وحديث أبي ثعلبة على بيان الجواز. قال بعضهم: ومناسبة ذلك أن عديا كان موسرا فاختير له الحمل على الأولى، بخلاف أبي ثعلبة فإنه كان بعكسه. ولا يخفى ضعف هذا التمسك مع التصريح بالتعليل في الحديث بخوف الإمساك على نفسه. وقال ابن التين: قال بعض أصحابنا هو عام فيحمل على الذي أدركه ميتا من شدة العدو أو من الصدمة فأكل منه، لأنه صار على صفة لا يتعلق بها الإرسال ولا الإمساك على صاحبه، قال: ويحتمل أن يكون معنى قوله " فإن أكل فلا تأكل أي لا يوجد منه غير مجرد الأكل دون إرسال الصائد له، وتكون هذه الجملة مقطوعة عما قبلها. ولا يخفى تعسف هذا وبعده. وقال ابن القصار: مجرد إرسالنا الكلب إمساك علينا، لأن الكلب لا نية له ولا يصح منه ميزها، وإنما يتصيد بالتعليم؛ فإذا كان الاعتبار بأن يمسك علينا أو على نفسه واختلف الحكم في ذلك وجب أن يتميز ذلك بنية من له نية وهو مرسله، فإذا أرسله فقد أمسك عليه وإذا لم يرسله لم يمسك عليه، كذا قال: ولا يخفى بعده أيضا ومصادمته لسياق الحديث. وقد قال الجمهور: إن معنى قوله (أمسكن عليكم) صدن لكم، وقد جعل الشارع أكله منه علامة على أنه أمسك لنفسه لا لصاحبه فلا يعدل عن ذلك، وقد وقع في رواية لابن أبي شيبة " إن شرب من دمه فلا تأكل فإنه لم يعلم ما علمته " وفي هذا إشارة إلى أنه إذا شرع في أكله دل على أنه ليس بمعلم التعليم المشترط. وسلك بعض المالكية الترجيح فقال: هذه اللفظة ذكرها الشعبي ولم يذكرها همام، وعارضها حديث أبي ثعلبة، وهذا ترجيح مردود لما تقدم. وتمسك بعضهم بالإجماع على جواز أكله إذا أخذه الكلب بفيه وهم بأكله فأدرك قبل أن يأكل، قال فلو كان أكله منه دالا على أنه أمسك على نفسه لكان تناوله بفيه وشروعه في أكله كذلك، ولكن يشترط أن يقف الصائد حتى ينظر هل يأكل أو لا والله أعلم. وفيه إباحة الاصطياد للانتفاع بالصيد للأكل والبيع وكذا اللهو، بشرط قصد التذكية والانتفاع، وكرهه مالك، وخالفه. الجمهور. قال الليث: لا أعلم حقا أشبه بباطل منه، فلو لم يقصد الانتفاع به حرم لأنه من الفساد في الأرض بإتلاف نفس عبثا. وينقدح أن يقال: يباح، فإن لازمه وأكثر منه كره، لأنه قد يشغله عن بعض الواجبات وكثير من المندوبات. وأخرج الترمذي من حديث ابن عباس رفعه " من سكن البادية جفا، ومن اتبع الصيد غفل " وله شاهد عن أبي هريرة عند الترمذي أيضا وآخر عند الدار قطني في " الأفراد " من حديث البراء بن عازب وقال: تفرد به شريك. وفيه جواز اقتناء الكلب المعلم للصيد، وسيأتي البحث فيه في حديث " من اقتنى كلبا " واستدل به على جواز بيع كلب الصيد للإضافة في قوله " كلبك " وأجاب من منع بأنها إضافة اختصاص، واستدل به على طهارة سؤر كلب الصيد دون غيره من الكلاب للإذن في الأكل من الموضع الذي أكل منه، ولم يذكر الغسل ولو كان واجبا لبينه لأنه وقت الحاجة إلى البيان. وقال بعض العلماء: يعفى عن معض الكلب ولو كان نجسا لهذا الحديث، وأجاب من قال بنجاسته بأن وجوب الغسل كان قد اشتهر عندهم وعلم فاستغنى عن ذكره، وفيه نظر، وقد يتقوى القول بالعفو لأنه بشدة الجري يجف ريقه فيؤمن معه ما يخشى من إصابة لعابه موضع العض، واستدل بقوله " كل ما أمسك عليك " بأنه لو أرسل كلبه على صيد فاصطياد غيره حل، للعموم الذي في قوله " ما أمسك " وهذا قول الجمهور. وقال مالك: لا يخل، وهو رواية البويطي عن الشافعي. (تنبيه) : قال ابن المنير ليس في جميع ما ذكر من الآي والأحاديث تعرض للتسمية المترجم عليها إلا آخر حديث عدي، فكأنه عده بيانا لما أجملته الأدلة من التسمية، وعند الأصوليين خلاف في المجمل إذا اقترنت به قرينة لفظية مبينة هل يكون ذلك الدليل المجمل معها أو إباها خاصة؟ انتهى. وقوله "الأحاديث " يوهم أن في الباب عدة أحاديث، وليس كذلك لأنه لم يذكر فيه إلا حديث عدي، نعم ذكر فيه تفاسير ابن عباس فكأنه عدها أحاديث، بحثه في التسمية المذكورة في آخر حديث عدي مردود، وليس ذلك مراد البخاري، وإنما جرى على عادته في الإشارة إلى ما ورد في بعض طرق الحديث الذي يورده، وقد أورد البخاري بعده بقليل من طريق ابن أبي السفر عن الشعبي " إذا أرسلت كلبك وسميت فكل " ومن رواية بيان عن الشعبي " إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل " فلما كان الأخذ بقيد " المعلم " متفقا عليه وإن لم يذكر في الطريق الأولى كانت التسمية كذلك، والله أعلم وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ فِي الْمَقْتُولَةِ بِالْبُنْدُقَةِ تِلْكَ الْمَوْقُوذَةُ وَكَرِهَهُ سَالِمٌ وَالْقَاسِمُ وَمُجَاهِدٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَعَطَاءٌ وَالْحَسَنُ وَكَرِهَ الْحَسَنُ رَمْيَ الْبُنْدُقَةِ فِي الْقُرَى وَالْأَمْصَارِ وَلَا يَرَى بَأْسًا فِيمَا سِوَاهُ الشرح: قوله (باب صيد المعراض) تقدم تفسيره في الذي قبله. قوله (وقال ابن عمر في المقتولة بالبندقة: تلك الموقوذة، وكرهه سالم والقاسم ومجاهد وإبراهيم وعطاء والحسن) أما أثر ابن عمر فوصله البيهقي من طريق أبي عامر العقدي عن زهير هو ابن محمد عن زيد بن أسلم عن ابن عمر أنه كان يقول " المقتولة بالبندقة تلك الموقوذة " وأخرج ابن أبي شيبة من طريق نافع عن ابن عمر أنه " كان لا يأكل ما أصابت البندقة " ولمالك في الموطأ عن نافع " رميت طائرين بحجر فأصبتهما، فإما أحدهما فمات فطرحه ابن عمر". وأما سالم وهو ابن عبد الله بن عمر والقاسم وهو ابن محمد بن أبي بكر الصديق فأخرج ابن أبي شيبة عن الثقفي عن عبيد الله بن عمر عنهما " إنهما كانا يكرهان البندقة، إلا ما أدركت ذكاته". ولمالك في " الموطأ " أنه " بلغه أن القاسم بن محمد كان يكره ما قتل بالمعراض والبندقة". وأما مجاهد فأخرج ابن أبي شيبة من وجهين أنه كرهه، زاد في أحدهما " لا تأكل إلا أن يذكى". وأما إبراهيم وهو النخعي فأخرج ابن أبي شيبة من رواية الأعمش عنه " لا تأكل ما أصبت بالبندقة إلا أن يذكى". وأما عطاء فقال عبد الرزاق عن ابن جريج " قال عطاء: إن رميت صيدا ببندقة فأدركت ذكاته فكله، وإلا فلا تأكله " وأما الحسن وهو البصري فقال ابن أبي شيبة " حدثنا عبد الأعلى عن هشام عن الحسن: إذا رمى الرجل الصيد بالجلاهقة فلا تأكل، إلا أن تدرك ذكاته". والجلاهقة بضم الجيم وتشديد اللام وكسر الهاء بعدها قاف هي البندقة بالفارسية والجمع جلاهق. قوله (وكره الحسن رمي البندقة في القرى والأمصار، ولا يرى به بأسا فيما سواه) وصله ثم ذكر حديث عدي بن حاتم من طريق عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي، وقد تقدم شرحه مستوفى في الباب الذي قبله. الحديث: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي السَّفَرِ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ سَمِعْتُ عَدِيَّ بْنَ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمِعْرَاضِ فَقَالَ إِذَا أَصَبْتَ بِحَدِّهِ فَكُلْ فَإِذَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَقَتَلَ فَإِنَّهُ وَقِيذٌ فَلَا تَأْكُلْ فَقُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي قَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَكُلْ قُلْتُ فَإِنْ أَكَلَ قَالَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّهُ لَمْ يُمْسِكْ عَلَيْكَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ قُلْتُ أُرْسِلُ كَلْبِي فَأَجِدُ مَعَهُ كَلْبًا آخَرَ قَالَ لَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ إِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى آخَرَ الشرح: حديث عدي بن حاتم من طريق عبد الله بن أبي السفر عن الشعبي، قد تقدم شرحه مستوفى في الباب الذي قبله. *3* الشرح: قوله (باب ما أصاب المعراض بعرضه) ذكر فيه حديث عدي بن حاتم من طريق همام بن الحارث عنه مختصرا وقد بينت ما فيه في الباب الأول. الحديث: حَدَّثَنَا قَبِيصَةُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ إِبْرَاهِيمَ عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا نُرْسِلُ الْكِلَابَ الْمُعَلَّمَةَ قَالَ كُلْ مَا أَمْسَكْنَ عَلَيْكَ قُلْتُ وَإِنْ قَتَلْنَ قَالَ وَإِنْ قَتَلْنَ قُلْتُ وَإِنَّا نَرْمِي بِالْمِعْرَاضِ قَالَ كُلْ مَا خَزَقَ وَمَا أَصَابَ بِعَرْضِهِ فَلَا تَأْكُلْ الشرح: حديث عدي بن حاتم من طريق همام بن الحارث عنه مختصرا وقد بينت ما فيه في الباب الأول. وَقَالَ الْحَسَنُ وَإِبْرَاهِيمُ إِذَا ضَرَبَ صَيْدًا فَبَانَ مِنْهُ يَدٌ أَوْ رِجْلٌ لَا تَأْكُلُ الَّذِي بَانَ وَكُلْ سَائِرَهُ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ إِذَا ضَرَبْتَ عُنُقَهُ أَوْ وَسَطَهُ فَكُلْهُ وَقَالَ الْأَعْمَشُ عَنْ زَيْدٍ اسْتَعْصَى عَلَى رَجُلٍ مِنْ آلِ عَبْدِ اللَّهِ حِمَارٌ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَضْرِبُوهُ حَيْثُ تَيَسَّرَ دَعُوا مَا سَقَطَ مِنْهُ وَكُلُوهُ الشرح: قوله (باب صيد القوس) القوس معروفة، وهي مركبة وغير مركبة، ويطلق لفظ القوس أيضا على الثمر الذي يبقى في أسفل النخلة وليس مرادا هنا. قوله (وقال الحسن وإبراهيم: إذا ضرب صيدا فبان منه يد أو رجل لا تأكل الذي بان وكل سائره) في رواية الكشميهني " ويأكل سائره " أما أثر الحسن فوصله ابن أبي شيبة بسند صحيح عن الحسن قال في رجل ضرب صيدا فأبان منه يدا أو رجلا وهو حي ثم مات قال: لا تأكله ولا تأكل ما بان منه إلا أن تضربه فتقطعه فيموت من ساعته، فإذا كان كذلك فليأكله. وقوله في الأصل " سائره " يعني باقيه. وأما أثر إبراهيم فرويناه من روايته لا من رأيه، لكنه لم يتعقبه فكأنه رضيه. وقال ابن أبي شيبة " حدثنا أبو بكر بن عياش عن الأعمش عن إبراهيم عن علقمة قال: إذا ضرب الرجل الصيد فبان منه عضو ترك ما سقط وأكل ما بقي " قال ابن المنذر: اختلفوا في هذه المسألة فقال ابن عباس وعطاء: لا تأكل العضو منه، وذك الصيد وكله. وقال عكرمة إن عدا حيا بعد سقوط العضو منه فلا تأكل العضو وذك الصيد وكله، وإن مات حين ضربه فكله كله وبه قال الشافعي وقال: لا فرق أن ينقطع قطعتين أو أقل إذا مات من تلك الضربة وعن الثوري وأبي حنيفة إن قطعه نصفين أكلا جميعا، وإن قطع الثلث مما يلي الرأس فكذلك، ومما يلي العجز أكل الثلثين مما يلي الرأس ولا يأكل الثلث الذي يلي العجز. قوله (وقال إبراهيم) هو النخعي (إذا ضربت عنقه أو وسطه) هو بفتح المهملة، وأما الوسط بالسكون فهو المكان. قوله (وقال الأعمش عن زيد: استعصى على رجل من آل عبد الله حمار إلخ) وصله ابن أبي شيبة عن عيسى بن يونس عن الأعمش عن زيد بن وهب قال: سأل ابن مسعود عن رجل ضرب رجل حمار وحشي فقطعها فقال: دعوا ما سقط وذكوا ما بقي وكلوه. فيستفاد منه نسبة زيد وأنه ابن وهب التابعي الكبير وأن عبد الله هو ابن مسعود وأن الحمار كان حمار وحش. وأما الرجل الذي من آل ابن مسعود فلم أعرف اسمه. وقد ردد ابن التين في شرحه النظر هل هو حمار وحشي أو أهلي؟ وشرع في حكاية الخلاف عن المالكية في الحمار الأهلي ومطابقة هذه الآثار لحديث الباب من جهة اشتراط الذكاة في قوله " فأدركت ذكاته فكل " فإن مفهومه أن الصيد إذا مات بالصدمة من قبل أن يدرك ذكاته لا يؤكل، قال ابن بطال: أجمعوا على أن السهم إذا أصاب الصيد فجرحه جاز أكله ولو لم يدر هل مات بالجرح أو من سقوطه في الهواء أو من وقوعه على الأرض، وأجمعوا على أنه لو وقع على جبل مثلا فتردى منه فمات لا يؤكل، وأن السهم إذا لم ينفذ مقاتله لا يؤكل إلا إذا أدركت ذكاته. وقال ابن التين إذا قطع من الصيد مالا يتوهم حياته بعده فكأنه أنفذه بتلك الضربة فقامت مقام التذكية، وهذا مشهور مذهب مالك وغيره. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا حَيْوَةُ قَالَ أَخْبَرَنِي رَبِيعَةُ بْنُ يَزِيدَ الدِّمَشْقِيُّ عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ عَنْ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قُلْتُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ إِنَّا بِأَرْضِ قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أَفَنَأْكُلُ فِي آنِيَتِهِمْ وَبِأَرْضِ صَيْدٍ أَصِيدُ بِقَوْسِي وَبِكَلْبِي الَّذِي لَيْسَ بِمُعَلَّمٍ وَبِكَلْبِي الْمُعَلَّمِ فَمَا يَصْلُحُ لِي قَالَ أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَإِنْ وَجَدْتُمْ غَيْرَهَا فَلَا تَأْكُلُوا فِيهَا وَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَاغْسِلُوهَا وَكُلُوا فِيهَا وَمَا صِدْتَ بِقَوْسِكَ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ الْمُعَلَّمِ فَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ وَمَا صِدْتَ بِكَلْبِكَ غَيْرِ مُعَلَّمٍ فَأَدْرَكْتَ ذَكَاتَهُ فَكُلْ الشرح: قوله (حدثنا عبد الله بن يزيد) هو المقري، وحيوة هو ابن شريح. قوله (عن أبي ثعلبة الخشني) بضم الخاء وفتح الشين المعجمتين ثم نون، نسبة إلى بني خشين بطن من النمر بن وبرة بن تغلب بفتح المثناة وسكون المعجمة وكسر اللام بعدها موحدة ابن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة. قوله (قلت يا نبي الله إنا بأرض قوم أهل كتاب) يعني بالشام، وكان جماعة من قبائل العرب قد سكنوا الشام وتنصروا منهم آل غسان وتنوخ وبهز وبطون من قضاعة منهم بنو خشين آل أبي ثعلبة، واختلف في اسم أبي ثعلبة فقيل جرثوم وهو قول الأكثر وقيل جرهم وقيل ناشب وقيل جرثم وهو كالأول لكن بغير إشباع وقيل جرثومة وهو كالأول لكن بزيادة هاء وقيل غرنوق وقيل ناشر وقيل لاشر وقيل لاش وقيل لاشن وقيل لا شومه، واختلف في اسم أبيه فقيل عمرو وقيل ناشب وقيل ناسب بمهملة وقيل بمعجمة وقيل ناشر وقيل لا شر وقيل لاش وقيل لاشن وقيل لاشم وقيل لاسم وقيل جلهم وقيل حمير وقيل جرهم وقيل جرثوم، ويجتمع من اسمه واسم أبيه بالتركيب أقوال كثيرة جدا، وكان إسلامه قبل خيبر وشهد بيعة الرضوان وتوجه إلى قومه فأسلموا، وله أخ يقال له عمرو أسلم أيضا. قوله (في آنيتهم) جمع إناء والأواني جمع آنية، وقد وقع الجواب عنه " فإن وجدتم غيرها فلا تأكلوا فيها وإن لم تجدوا فاغسلوها وكلوا فيها " فتمسك بهذا الأمر من رأي أن استعمال آنية أهل الكتاب تتوقف على الغسل لكثرة استعمالهم النجاسة. ومنهم من يتدين بملابستها، قال ابن دقيق العيد: وقد اختلف الفقهاء في ذلك بناء على تعارض الأصل والغالب. واحتج من قال بما دل عليه هذا الحديث بأن الظن المستفاد من الغالب راجح على الظن المستفاد من الأصل، وأجاب من قال بأن الحكم للأصل حتى تتحقق النجاسة بجوابين: أحدهما أن الأمر بالغسل محمول على الاستحباب احتياطا جمعا بينه وبين ما دل على التمسك بالأصل، والثاني أن المراد بحديث أبي ثعلبة حال من يتحقق النجاسة فيه، ويؤيده ذكر المجوس لأن أوانيهم نجسة لكونهم لا تحل ذبائحهم. وقال النووي: المراد بالآنية في حديث أبي ثعلبة آنية من يطبخ فيها لحم الخنزير ويشرب فيها الخمر كما وقع التصريح به في رواية أبي داو " إنا نجاور أهل الكتاب، وهم يطبخون في قدورهم الخنزير ويشربون في آنيتهم الخمر فقال " فذكر الجواب. وأما الفقهاء فمرادهم مطلق آنية الكفار التي ليست مستعملة في النجاسة فإنه يجوز استعمالها ولو لم تغسل عندهم، وإن كان الأولى الغسل للخروج من الخلاف لا لثبوت الكراهة في ذلك، ويحتمل أن يكون استعمالها بلا غسل مكروها بناء على الجواب الأول وهو الظاهر من الحديث، وأن استعمالها مع الغسل رخصة إذا وجد غيرها فإن لم يجد جاز بلا كراهة للنهي عن الأكل فيها مطلقا وتعليق الإذن على عدم غيرها مع غسلها، وتمسك بهذا بعض المالكية لقولهم إنه يتعين كسر آنية الخمر على كل حال بناء على أنها لا تطهر بالغسل، واستدل بالتفصيل المذكور لأن الغسل لو كان مطهرا لها لما كان للتفصيل معنى، وتعقب بأنه لم ينحصر في كون العين تصير نجسة بحيث لا تطهر أصلا بل يحتمل أن يكون التفصيل للأخذ بالأولى، فإن الإناء الذي يطبخ فيه الخنزير يستقذر ولو غسل كما يكره الشرب في المحجمة ولو غسلت استقذارا، ومشى ابن حزم على طاهريته فقال: لا يجوز استعمال آنية أهل الكتاب إلا بشرطين أحدهما أن لا يجد غيرها والثاني غسلها. وأجيب بما تقدم من أن أمره بالغسل عند فقد غيرها دال على طهارتها بالغسل، والأمر باجتنابها عند وجود غيرها للمبالغة في التنفير عنها كما في حديث سلمة الآتي بعد في الأمر بكسر القدور التي طبخت فيها الميتة، فقال رجل أو نغسلها؟ فقال: أو ذاك. فأمر بالكسر للمبالغة في التنفير عنها ثم أذن في الغسل ترخيصا، فكذلك يتجه هذا هنا والله أعلم. قوله (وبأرض صيد أصيد بقوسي) فقال في جوابه " وما صدت بقوسك وذكرت اسم الله فكل " تمسك به من أوجب التسمية على الصيد وعلى الذبيحة، وقد تقدمت مباحثه في الحديث الذي قبله، وكذا تقدمت مباحث السؤال الثالث وهو الصيد بالكلب، وقوله "فكل " وقع مفسرا في رواية أبي داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده " أن أعرابيا يقال له أبو ثعلبة قال: يا رسول الله إن لي كلابا مكلبة - الحديث وفيه - وأفتني في قوسي؛ قال: كل ما ردت عليك قوسك ذكيا وغير ذكي. قال وإن تغيب عني؟ قال وإن تغيب عنك ما لم يصل أو تجد فيه أثرا غير سهمك " وقوله يصل بصاد مهملة مكسورة ولام ثقيلة أي ينتن، وسيأتي مباحث هذا الحديث بعد ثلاثة أبواب في " باب الصيد إذا غاب يومين أو ثلاثة " وفي الحديث من الفوائد جمع المسائل وإيرادها دفعة واحدة وتفصيل الجواب عنها واحدة واحدة بلفظ أما وأما. *3* الشرح: قوله (باب الخذف والبندقة) أما الخذف فسيأتي تفسيره في الباب، وأما البندقة معروفة تتخذ من طين وتيبس فيرمى بها، وقد تقدمت أشياء تتعلق بها في " باب صيد المعراض". الحديث: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ رَاشِدٍ حَدَّثَنَا وَكِيعٌ وَيَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَاللَّفْظُ لِيَزِيدَ عَنْ كَهْمَسِ بْنِ الْحَسَنِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُرَيْدَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ لَا تَخْذِفْ فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ أَوْ كَانَ يَكْرَهُ الْخَذْفَ وَقَالَ إِنَّهُ لَا يُصَادُ بِهِ صَيْدٌ وَلَا يُنْكَى بِهِ عَدُوٌّ وَلَكِنَّهَا قَدْ تَكْسِرُ السِّنَّ وَتَفْقَأُ الْعَيْنَ ثُمَّ رَآهُ بَعْدَ ذَلِكَ يَخْذِفُ فَقَالَ لَهُ أُحَدِّثُكَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ نَهَى عَنْ الْخَذْفِ أَوْ كَرِهَ الْخَذْفَ وَأَنْتَ تَخْذِفُ لَا أُكَلِّمُكَ كَذَا وَكَذَا الشرح: قوله (حدثني يوسف بن راشد) وهو يوسف بن موسى بن راشد بن بلال القطان الرازي نزيل بغداد، نسبه البخاري إلى جده، وفي طبقته يوسف بن موسى التستري نزل الري. فلعل البخاري كان يخشى أن يلتبس به. قوله (واللفظ ليزيد) قلت قد أخرج أحمد الحديث عن وكيع مقتصرا على المتن دون القصة، وأخرجه الإسماعيلي من رواية يحيى القطان ووكيع كلاهما عن كهمس مقرونا وقال: إن السياق ليحيى والمعنى واحد. قوله (إنه رأى رجلا) لم أقف على اسمه، ووقع في رواية مسلم من رواية معاذ بن معاذ عن كهمس " رأى رجلا من أصحابه " وله من رواية سعيد بن جبير عن عبد الله بن مغفل أنه قريب لعبد الله بن مغفل. قوله (يخذف) بخاء معجمة وآخره فاء أي يرمي بحصاة أو نواة بين سبابتيه أو بين الإبهام والسبابة أو على ظاهر الوسطى وباطن الإبهام. وقال ابن فارس: خذفت الحصاة رميتها بين أصبعيك، وقيل في حصى الخذف: أن يجعل الحصاة بين السبابة من اليمنى والإبهام من اليسرى ثم يقذفها بالسبابة من اليمين. وقال ابن سيده: خذف بالشيء يخذف فارسي وخص بعضهم به الحصى، قال: والمخذفة التي يوضع فيها الحجر ويرمي بها الطير ويطلق على المقلاع أيضا قاله في الصحاح. قوله (نهى عن الخذف، أو كان يكره الخذف) في رواية أحمد عن وكيع " نهى عن الحذف " ولم يشك، وأخرجه عن محمد بن جعفر عن كهمس بالشك وبين أن الشك من كهمس. قوله (إنه لا يصاد به صيد) قال المهلب: أباح الله الصيد على صفة فقال وإنما كان كذلك لأنه يقتل الصيد بقوة راميه لا بحده. قوله (ولا ينكأ به عدو) قال عياض: الرواية بفتح الكاف وبهمزة في آخره وهي لغة، والأشهر بكسر الكاف بغير همز. وقال في شرح مسلم: لا ينكأ بفتح الكاف مهموز، وروى لا ينكي بكسر الكاف وسكون التحتانية، وهو أوجه لأن المهموز إنما هو من نكأت القرحة وليس هذا موضعه فإنه من النكاية، لكن قال في " العين " نكأت لغة في نكيت، فعلى هذا تتوجه هذه الرواية قال: ومعناه المبالغة في الأذى. وقال ابن سيده، نكأ العدو نكاية أصاب منه، ثم قال: نكأت العدو أنكؤهم لغة في نكيتهم، فظهر أن الرواية صحيحة المعنى ولا معنى لتخطئتها. وأغرب ابن التين فلم يعرج على الرواية التي بالهمز أصلا بل شرحه على التي بكسر الكاف بغير همز، ثم قال: ونكأت القرحة بالهمز. قوله (ولكنها قد تكسر السن) أي الرمية، وأطلق السن فيشمل سن المرمى وغيره من آدمي وغيره. قوله (لا أكلمك كذا وكذا) في رواية معاذ ومحمد بن جعفر " لا أكلمك كلمة كذا وكذا " وكلمة بالنصب والتنوين، كذا وكذا أبهم الزمان، ووقع في رواية سعيد بن جبير عند مسلم " لا أكلمك أبدا " وفي الحديث جواز هجران من خالف السنة وترك كلامه، ولا يدخل ذلك في النهي عن الهجر فوق ثلاث فإنه يتعلق بمن هجر لحظ نفسه، وسيأتي بسط ذلك في كتاب الأدب، وفيه تغيير المنكر ومنع الرمي بالبندقة لأنه إذا نفى الشارع أنه لا يصيد فلا معنى للرمي به بل فيه تعريض للحيوان بالتلف لغير مالكه وقد ورد النهي عن ذلك، نعم قد يدرك ذكاة ما رمي بالبندقة فيحل أكله، ومن ثم اختلف في جوازه فصرح مجلي في " الذخائر " بمنعه وبه أفتى ابن عبد السلام، وجزم النووي له لأنه طريق إلى الاصطياد، والتحقيق التفصيل: فإن كان الأغلب من حال الرمي ما ذكر في الحديث امتنع، وإن كان عكسه جاز ولا سيما أن كان المرمى مما لا يصل إليه الرمي إلا بذلك ثم لا يقتله غالبا، وقد تقدم قبل بابين من هذا الباب قول الحسن في كراهية رمي البندقة في القرى والأمصار، ومفهومه أنه لا يكره في الفلاة، فجعل مدار النهي على خشية إدخال الضرر على أحد من الناس والله أعلم *3* الشرح: قوله (باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) يقال اقتنى الشيء إذا اتخذه للادخار، ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك من ثلاثة طرق عنه، ووقع في الرواية الأولى " ليس بكلب ماشية أو ضارية " وفي الثانية " إلا كلبا ضاريا لصيد أو كلب ماشية " وفي الثالثة " إلا كلب ماشية أو ضاربا " فالرواية الثانية تفسر الأولى والثالثة، فالأولى إما للاستعارة على أن ضاربا صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب المعتادة الضارية على الصيد، يقال ضرا على الصيد ضراوة أي تعود ذلك واستمر عليه، وضرا الكلب وأضراه صاحبه أي عوده وأغراه بالصيد، والجمع ضوار، وإما للتناسب للفظ ماشية مثل لا دريت ولا تليت والأصل تلوت، والرواية الثالثة فيها حذف تقديره أو كلبا ضاريا، ووقع في الرواية الثانية في غير رواية أبي ذر " إلا كلب ضاري " بالإضافة وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، أو لفظ ضاري صفة للرجل الصائد أي إلا كلب رجل معتاد للصيد، وثبوت الياء في الاسم المنقوص مع حذف الألف واللام منه لغة. وقد أورد المصنف حديث الباب من حديث أبي هريرة في المزارعة وفي بدء الخلق، وأورده فيهما أيضا من حديث سفيان بن أبي زهير، وتقدم شرح المتن مستوفى في كتاب المزارعة، وفيه التنبيه على زيادة أبي هريرة وسفيان بن أبي زهير في الحديث " أو كلب زرع"، وفي لفظ " حرث " وكذا وقعت الزيادة في حديث عبد الله بن مغفل عند الترمذي. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَمِعْتُ ابْنَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا لَيْسَ بِكَلْبِ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيَةٍ نَقَصَ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ عَمَلِهِ قِيرَاطَانِ الشرح: قوله (باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) يقال اقتنى الشيء إذا اتخذه للادخار، ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك من ثلاثة طرق عنه، ووقع في الرواية الأولى " ليس بكلب ماشية أو ضارية " وفي الثانية " إلا كلبا ضاريا لصيد أو كلب ماشية " وفي الثالثة " إلا كلب ماشية أو ضاربا " فالرواية الثانية تفسر الأولى والثالثة، فالأولى إما للاستعارة على أن ضاربا صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب المعتادة الضارية على الصيد، يقال ضرا على الصيد ضراوة أي تعود ذلك واستمر عليه، وضرا الكلب وأضراه صاحبه أي عوده وأغراه بالصيد، والجمع ضوار، وإما للتناسب للفظ ماشية مثل لا دريت ولا تليت والأصل تلوت، والرواية الثالثة فيها حذف تقديره أو كلبا ضاريا، ووقع في الرواية الثانية في غير رواية أبي ذر " إلا كلب ضاري " بالإضافة وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، أو لفظ ضاري صفة للرجل الصائد أي إلا كلب رجل معتاد للصيد، وثبوت الياء في الاسم المنقوص مع حذف الألف واللام منه لغة. وقد أورد المصنف حديث الباب من حديث أبي هريرة في المزارعة وفي بدء الخلق، وأورده فيهما أيضا من حديث سفيان بن أبي زهير، وتقدم شرح المتن مستوفى في كتاب المزارعة، وفيه التنبيه على زيادة أبي هريرة وسفيان بن أبي زهير في الحديث " أو كلب زرع"، وفي لفظ " حرث " وكذا وقعت الزيادة في حديث عبد الله بن مغفل عند الترمذي. الحديث: حَدَّثَنَا الْمَكِّيُّ بْنُ إِبْرَاهِيمَ أَخْبَرَنَا حَنْظَلَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ قَالَ سَمِعْتُ سَالِمًا يَقُولُ سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبًا ضَارِيًا لِصَيْدٍ أَوْ كَلْبَ مَاشِيَةٍ فَإِنَّهُ يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ الشرح: قوله (باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) يقال اقتنى الشيء إذا اتخذه للادخار، ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك من ثلاثة طرق عنه، ووقع في الرواية الأولى " ليس بكلب ماشية أو ضارية " وفي الثانية " إلا كلبا ضاريا لصيد أو كلب ماشية " وفي الثالثة " إلا كلب ماشية أو ضاربا " فالرواية الثانية تفسر الأولى والثالثة، فالأولى إما للاستعارة على أن ضاربا صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب المعتادة الضارية على الصيد، يقال ضرا على الصيد ضراوة أي تعود ذلك واستمر عليه، وضرا الكلب وأضراه صاحبه أي عوده وأغراه بالصيد، والجمع ضوار، وإما للتناسب للفظ ماشية مثل لا دريت ولا تليت والأصل تلوت، والرواية الثالثة فيها حذف تقديره أو كلبا ضاريا، ووقع في الرواية الثانية في غير رواية أبي ذر " إلا كلب ضاري " بالإضافة وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، أو لفظ ضاري صفة للرجل الصائد أي إلا كلب رجل معتاد للصيد، وثبوت الياء في الاسم المنقوص مع حذف الألف واللام منه لغة. وقد أورد المصنف حديث الباب من حديث أبي هريرة في المزارعة وفي بدء الخلق، وأورده فيهما أيضا من حديث سفيان بن أبي زهير، وتقدم شرح المتن مستوفى في كتاب المزارعة، وفيه التنبيه على زيادة أبي هريرة وسفيان بن أبي زهير في الحديث " أو كلب زرع"، وفي لفظ " حرث " وكذا وقعت الزيادة في حديث عبد الله بن مغفل عند الترمذي. الحديث: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ أَخْبَرَنَا مَالِكٌ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ اقْتَنَى كَلْبًا إِلَّا كَلْبَ مَاشِيَةٍ أَوْ ضَارِيًا نَقَصَ مِنْ عَمَلِهِ كُلَّ يَوْمٍ قِيرَاطَانِ الشرح: قوله (باب من اقتنى كلبا ليس بكلب صيد أو ماشية) يقال اقتنى الشيء إذا اتخذه للادخار، ذكر فيه حديث ابن عمر في ذلك من ثلاثة طرق عنه، ووقع في الرواية الأولى " ليس بكلب ماشية أو ضارية " وفي الثانية " إلا كلبا ضاريا لصيد أو كلب ماشية " وفي الثالثة " إلا كلب ماشية أو ضاربا " فالرواية الثانية تفسر الأولى والثالثة، فالأولى إما للاستعارة على أن ضاربا صفة للجماعة الضارين أصحاب الكلاب المعتادة الضارية على الصيد، يقال ضرا على الصيد ضراوة أي تعود ذلك واستمر عليه، وضرا الكلب وأضراه صاحبه أي عوده وأغراه بالصيد، والجمع ضوار، وإما للتناسب للفظ ماشية مثل لا دريت ولا تليت والأصل تلوت، والرواية الثالثة فيها حذف تقديره أو كلبا ضاريا، ووقع في الرواية الثانية في غير رواية أبي ذر " إلا كلب ضاري " بالإضافة وهو من إضافة الموصوف إلى صفته، أو لفظ ضاري صفة للرجل الصائد أي إلا كلب رجل معتاد للصيد، وثبوت الياء في الاسم المنقوص مع حذف الألف واللام منه لغة. وقد أورد المصنف حديث الباب من حديث أبي هريرة في المزارعة وفي بدء الخلق، وأورده فيهما أيضا من حديث سفيان بن أبي زهير، وتقدم شرح المتن مستوفى في كتاب المزارعة، وفيه التنبيه على زيادة أبي هريرة وسفيان بن أبي زهير في الحديث " أو كلب زرع"، وفي لفظ " حرث " وكذا وقعت الزيادة في حديث عبد الله بن مغفل عند الترمذي. *3* قُلْ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِنْ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ الصَّوَائِدُ وَالْكَوَاسِبُ اجْتَرَحُوا اكْتَسَبُوا تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَكُلُوا مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ إِلَى قَوْلِهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ إِنْ أَكَلَ الْكَلْبُ فَقَدْ أَفْسَدَهُ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَاللَّهُ يَقُولُ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمْ اللَّهُ فَتُضْرَبُ وَتُعَلَّمُ حَتَّى يَتْرُكَ وَكَرِهَهُ ابْنُ عُمَرَ وَقَالَ عَطَاءٌ إِنْ شَرِبَ الدَّمَ وَلَمْ يَأْكُلْ فَكُلْ الشرح: قوله (باب إذا أكل الكلب) ذكر فيه حديث عدي بن حاتم من رواية بيان بن عمرو عن الشعبي عنه، وقد تقدم شرحه مستوفى في الباب الأول. قوله (وقوله تعالى مكلبين الكواسب) في رواية الكشميهني " الصوائد " وجمعهما في نسخة الصغاني، وهو صفة محذوف تقديره الكلاب الصوائد أو الكواسب، وقوله "مكلبين " أي مؤدبين أو معودين، قيل وليس هو تفعيل من الكلب الحيوان المعروف وإنما هو من الكلب بفتح اللام وهو الحرص، نعم هو راجع إلى الأول لأنه أصل فيه لما طبع عليه من شدة الحرص، ولأن الصيد غالبا إنما بكون بالكلاب، فمن علم الصيد من غيرها كان في معناها. وقال أبو عبيدة في قوله " مكلبين ": أي أصحاب كلاب. وقال الراغب: الكلاب والمكلب الذي يعلم الكلاب. قوله (اجترحوا اكتسبوا) هو تفسير أبي عبيدة، وليست هذه الآية في هذا الموضع وإنما ذكرها استطرادا لبيان أن الاجتراح يطلق على الاكتساب وأن المراد بالمكلبين المعلمين، وهو وإن كان أصل المادة الكلاب لكن ليس الكلب شرطا فيصح الصيد بغير الكلب من أنواع الجوارح، ولفظ أبي عبيدة، وما علمتم من الجوارح أي الصوائد، ويقال فلان جارحة أهله أي كاسبهم. وفي رواية أخرى: ومن يجترح أي يكتسب. وفي رواية أخرى: الذين اجترحوا السيئات اكتسبوا. (تنبيه) : اعترض بعض الشراح على قوله " الكواسب والجوارح " فإنه قال في تفسير براءة في الهوالك ما تقدم ذكره فألزمه التناقض، وليس كما قال، بل الذي هنا على الأصل في جمع المؤنث. قوله (وقال ابن عباس: إن أكل الكلب فقد أفسده، إنما أمسك على نفسه، والله يقول وأخرج أيضا من طريق سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: إذا أرسلت كلبك المعلم فسميت فأكل فلا تأكل، وإذا أكل قبل أن يأتي صاحبه فليس بعالم لقول الله عز وجل قوله (وكرهه ابن عمر) وصله ابن أبي شيبة من طريق مجاهد عن ابن عمر قل: إذا أكل الكلب من صيده فإنه ليس بعلم. وأخرج من وجه آخر عن ابن عمر الرخصة فيه. وكذا أخرج سعيد بن منصور وعبد الرزاق. قوله (وقال عطاء إن شرب الدم ولم يأكل فكل) وصله ابن أبي شيبة من طريق ابن جريج عنه بلفظ " إن أكل فلا تأكل وإن شرب فلا " وتقدمت مباحث هذه المسألة في الباب الأول. الحديث: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ عَنْ بَيَانٍ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُلْتُ إِنَّا قَوْمٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الْكِلَابِ فَقَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كِلَابَكَ الْمُعَلَّمَةَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ فَكُلْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَإِنْ قَتَلْنَ إِلَّا أَنْ يَأْكُلَ الْكَلْبُ فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَهُ عَلَى نَفْسِهِ وَإِنْ خَالَطَهَا كِلَابٌ مِنْ غَيْرِهَا فَلَا تَأْكُلْ الشرح: حديث عدي بن حاتم من رواية بيان بن عمرو عن الشعبي عنه، قد تقدم شرحه مستوفى في الباب الأول. *3* الشرح: قوله (باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة) أي عن الصائد. الحديث: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ حَدَّثَنَا ثَابِتُ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا عَاصِمٌ عَنْ الشَّعْبِيِّ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَسَمَّيْتَ فَأَمْسَكَ وَقَتَلَ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ وَإِذَا خَالَطَ كِلَابًا لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهَا فَأَمْسَكْنَ وَقَتَلْنَ فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي أَيُّهَا قَتَلَ وَإِنْ رَمَيْتَ الصَّيْدَ فَوَجَدْتَهُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ لَيْسَ بِهِ إِلَّا أَثَرُ سَهْمِكَ فَكُلْ وَإِنْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ فَلَا تَأْكُلْ وَقَالَ عَبْدُ الْأَعْلَى عَنْ دَاوُدَ عَنْ عَامِرٍ عَنْ عَدِيٍّ أَنَّهُ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَرْمِي الصَّيْدَ فَيَقْتَفِرُ أَثَرَهُ الْيَوْمَيْنِ وَالثَّلَاثَةَ ثُمَّ يَجِدُهُ مَيِّتًا وَفِيهِ سَهْمُهُ قَالَ يَأْكُلُ إِنْ شَاءَ الشرح: قوله (ثابت بن يزيد) هو أبو زيد البصري الأحول وحكى الكلاباذي أنه قيل فيه ثابت بن زيد قال والأول أصح. قلت: زيد كنيته لا اسم أبيه، وشيخه عاصم هو ابن سليمان الأحول وقد زاد عن الشعبي في حديث عدي قصة السهم. قوله (وإن رميت الصيد فوجدته بعد يوم أو يومين ليس به إلا أثر سهمك فكل) ومفهومه أنه إن وجد فيه أثر غير سهمه لا يأكل، وهو نظير ما تقدم في الكلب من التفصيل فيما إذا خالط الكلب الذي أرسله الصائد كلب آخر، لكن التفصيل في مسألة الكلب فيما إذا شارك الكلب في قتله كلب آخر، وهنا الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد، وقد جاءت فيه زيادة من رواية سعيد بن جبير عن عدي بن حاتم عند الترمذي والنسائي والطحاوي بلفظ " إذا وجدت سهمك فيه ولم يجد به أثر سبع وعلمت أن سهمك قتله فكل منه " قال الرافعي: يؤخذ منه أنه لو جرحه ثم غاب ثم جاء فوجده ميتا أنه لا يحل، وهو ظاهر نص الشافعي في " المختصر". وقال النووي: الحل أصح دليلا. وحكى البيهقي في " المعرفة " عن الشافعي أنه قال في قول ابن عباس " كل ما أصميت ودع ما أنميت ": معنى " ما أصميت " ما قتله الكلب وأنت تراه، وما " أنميت " وما غاب عنك مقتله. قال وهذا لا يجوز عندي غيره إلا أن يكون جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم فيه شيء فيسقط كل شيء خالف أمر النبي صلى الله عليه وسلم ولا يقوم معه رأي ولا قياس، قال البيهقي: وقد ثبت الخبر يعني حديث الباب فينبغي أن يكون هو قول الشافعي. قوله (وإن وقع في الماء فلا تأكل) يؤخذ سبب منع أكله من الذي قبله، لأنه حينئذ يقع التردد هل قتله السهم أو الغرق في الماء؟ فلو تحقق أن السهم أصابه فملت فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم فهذا يحل أكله، قال النووي في " شرح مسلم " إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق ا ه، وقد صرح الرافعي بأن محله ما لم ينته الصيد بتلك الجراحة إلى حركة المذبوح، فإن انتهى إليها بقطع الحلقوم مثلا فقد تمت زكاته، ويؤيده قوله في رواية مسلم " فإنك لا تدري الماء قتله أو سهمك " فدل على أنه إذا علم أن سهمه هو الذي قتله أنه يحل. قوله (وقال عبد الأعلى) يعني ابن عبد الأعلى السامي بالمهملة البصري، وداود هو ابن أبي هند، وعامر هو الشعبي، وهذا التعليق وصله أبو داود عن الحسين بن معاذ عن عبد الأعلى به. قوله (فيفتقر) بفاء ثم مثناة ثم قاف أي يتبع فقاره حتى يتمكن منه، وعلى هذه الرواية اقتصر ابن بطال. وفي رواية الكشميهني فيقتفي أي يتبع، وكذا لمسلم والأصيلي وفي رواية " فيقفو " وهي أوجه. قوله (اليومين والثلاثة) فيه زيادة على رواية عاصم بن سليمان " بعد يوم أو يومين " ووقع في رواية سعيد بن جبير " فيغيب عنه الليلة والليلتين " ووقع عند مسلم في حديث أبي ثعلبة بسند فيه معاوية بن صالح " إذا رميت سهمك فغاب عنك فأدركته فكل ما لم ينتن " وفي لفظ في الذي يدرك الصيد بعد ثلاث " كله ما لم ينتن " ونحوه عند أبي داود من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده كما تقدم التنبيه عليه قريبا، فجعل الغاية أن ينتن الصيد فلو وجده مثلا بعد ثلاث ولم ينتن حل، وإن وجده بلونها وقد أنتن فلا، هذا ظاهر الحديث، وأجاب النووي بأن النهي عن أكله إذا أنتن للتنزيه، وسأذكر في ذلك بحثا في " باب صيد البحر " واستدل به على أن الرامي لو أخر الصيد عقب الرمي إلى أن يجده أن يحل بالشروط المتقدمة ولا يحتاج إلى استفصال عن سبب غيبته عنه أكان مع الطلب أو عدمه، لكن يستدل للطلب بما وقع في الرواية الأخيرة حيث قال " فيقتفي أثره " فدل على أن الجواب خرج على حسب السؤال، فاختصر بعض الرواة السؤال، فلا يتمسك فيه بترك الاستفصال. واختلف في صفة الطلب: فعن أبي حنيفة إن أخر ساعة فلم يطلب لم يحل، وإن اتبعه عقب الرمي فوجده ميتا حل. وعن الشافعية لا بد أن يتبعه. وفي اشتراط العدو وجهان أظهرهما يكفي المشي على عادته حتى لو أسرع وجده حيا حل. وقال إمام الحرمين: لا بد من الإسراع قليلا ليتحقق صورة الطلب، وعند الحنفية نحو هذا الاختلاف.
|